اللقاء الأول واللقاء الأخير (2-3(
بمجرد أن أدارت زر التسجيل وبدأ يتحدث، وجدت نفسها منجذبة إليه تماما، كان يتكلم عن نشأته وبداياته وعائلته ودراسته في الكلية وانتمائه لاتحاد الطلبة، كان ناصريا صميما وهي أيضا، نشأت في عائلة تعشق عبد الناصر وتربت على شعارات القومية العربية، كانت تشعر انه يتحدث عنها، عن الشاب الذي تمنت طوال أيام الجامعة أن تقابله. شعرت بشرارة الحب التي تشتعل من أول لحظة أو كما يقول الأمريكان مع حك الإبهام والوسطى ببعضهما وعمل صوت قرقعة " It Happeneds like this"
كانت قد اتخذت قرارها منذ 5 شهور وقبل أن تقابله ، لن تتزوج إلا من تحب وكانت تتمنى أن تحدث شرارة الحب بهذا الشكل" كده" ، خاصة بعد فسخ خطبتها الفاشلة الأخيرة والتي عصرت على نفسها ليمونة لتتقبل العريس الذي تركها وذهب وراء أخرى اجمل وأغنى" كانت تحدث نفسها رضينا بالهم والهم مارضيش بينا".
كل هذه الأفكار تداعت في ذهنها عندما تركها لدقائق ليجيب على تليفون، كان قد قام بتأمين نفسه وقال لها: ان لدي موعدا هاما بعد نصف ساعة ولا يستطيع لن يتجاوز حوارهما هذه المدة ويبدو أنه اتفق مع زميل له أن يطلبه ، ولكنه عندما اتصل به صديقه ليذكره بالموعد اعتذر له وقال أن لديه حوارا هاما يجريه، أفاقت من شرودها على هذه الجملة. وبعد ان اغلق التليفون قال لها:" خلاص فضيت لك" .
شعرت بابتسامة ترتسم على شفتيها أو هكذا خيل لها لأن قلبها كان يرقص فرحا، كانت مشاعرها تفضحها أو هكذا شعرت وقتها.
استكملا حديثهما ولم تضايقهما استعجال البقية لهما، امتد الحديث لساعتين، شعر خلالهما أنه حكى لها قصة حياته وأشفق عليها من تفريغ شريط كاسيت بكل هذا الحجم وقال لها إذا احتجت مساعدة في كتابة الموضوع، انا موجود، كان يحاول أن يوجد سببا لتكرار اللقاء. سألها عن قائمة الأدباء الشباب الذين يضمهم الملف وعرض أن يساعدها في الاتصال بأي منهم حيث أن جميعهم أصدقائه، وعندما قالت له أن فلان لا تجده أبدا، رفع السماعة واتصل به وعندما لم يجده ترك له رسالة ان يتصل به ضروري. وعندما اتصلت بهذا الشخص بعدها بيومين وجدته ينتظرها بعد أن قام هو من وقع في حبها من أول لحظة وشعر أنه مسئول عنه، بتوبيخه وقال له يجب أن تلتقيها فيهي صحفية متميزة ومشروع كاتبة موهوبة.
هكذا كان يراها واليوم وبعد أكثر من اثنتي عشر عاما على هذا اللقاء، سيراها زوجة فقط وربة بيت، هل هذه هي النهاية. هربت من لقائه وحاولت أن تختفي، كانت تريد أن تنسحب ولكن زوجها كان مشغولا بالحديث مع وسائل الإعلام العالمية ولم تستطع أن تطلب منه الانصراف.
انزوت في ركن بعيد تسترجع ذكريات اللقاء الأخير قبل يومها هذا، كانت علاقتهما قد انتهت منذ اكثر من عام ونصف بعد أن قضت ستة شهور تتعبد في محرابه وتحاول أن تكون صك الغفران الذي يغفر خطاياه ويعوض الأخريات عن الألم الذي سببه لكثيرات غيرها. بمجرد خروجها من مكتبه أحست صديقتها سناء وكانت أكبر سنا أنها وقعت في هواه وكانت سناء تعرفه منذ زمن، حذرتها من الانزلاق معه. ومنذ ذلك اليوم وطوال علاقتهما كانت تلتقي كل أسبوع بواحدة من ضحاياه أو أي صديقة لها وتحكي لها الحكاية. كانت كلما سمعت حكاية ذهبت إليه وسألته وكان يعتبرها قس اعترافه ويشعر بأنه يتحرر من ذنوبه عندما يحكي لها عن هذه العلاقة كانت قد اتفقت معه على أن يكونا صديقين قبل أن يكونا حبيبين، وافقها وكان سعيدا بذلك، ولكنها بعد شهور تعبت من هذا الدور، خافت أن تعطيه نفسها كي لا تتألم مثل الأخريات، كان يريد الزواج منها ولكنه كان في حيرة، يخونها كثيرا ويأتي لها ليحكي، وهي تستمع وتغفر وتقول لنفسها، أنا لا أعطيه ما يريده وهذا من حقه. وبعد فترة تعبت من كثرة الغفران، هي لم تعتد لن تمنح طوال الوقت بل اعتادت أن تأخذ، فهي الابنة الوحيدة المدللة لوالديها، وزعيمة صديقاتها. بعد ستة شهور، ابتعدت عنه لمدة أسبوع، وفكرت في علاقتهما، هي لا تستطيع أن تتزوج رجلا يخونها، ماذا لو لم ينسجما في علاقتهما الجنسية، كانت بلا خبرات، وحتى لو انسجما وكانت علاقتهما مثالية كانت تعرف انه من اعتاد الخيانة سيعود إليها حتى لو شفي منها، بدافع الملل أحيانا أو بدافع المغامرة المحرمة التي تمنح العلاقة الجنسية طعما مختلفا.
ابتعدت عنه شهرا كاملا، وعندما اتصل بها قبل يوم ميلادها بيوم، قالت له في التليفون أنها تشعر أن علاقتهما لا مستقبل لها ومثلما اتفقا على أن يكونا صديقين يراقبا تطور العلاقة بتعقل، عليهما الآن أن يفكرا فيها، لم تعد علاقة حب ومشاعر بل عادت لأطوارها الأولى الصداقة وستظل هكذا. طلب منها يحتفلا بعيد ميلادها غدا سويا على الأقل يرد لها ما فعلته له يوم ميلاده ولكنها اعتذرت له. كانت قد شفيت منه أو على الأقل كانت تعتقد أنها شفيت منه.
وطوال عام ونصف او ما يزيد احتفظت بصداقتهما، تتصل به أحيانا وهو أيضا حتى كان هذا اللقاء بينهما في نفس الحفل منذ عشر سنوات بالتمام والكمال وفي يوم الاثنين أيضا. حضرت بصفتها الصحفية والأدبية، كانت قد حققت مكانة لا باس بها، عملت بجد طوال الفترة الماضية وأصبحت صحفية معروفة في الأوساط الأدبية ونشرت مجموعتها القصصية الأولى. وهو أيضا كان قد نشر رواية حققت جماهيرية ونجاحا كبيرا. كانت أنوثتها قد تفتحت في علاقة دخلتها بعده ساعدتها على الكتابة ومنحتها الثقة بالنفس، كانت تبدو مختلفة، اجمل وأكثر رشاقة وثقة بنفسها واكثر دلالا، ترتدي فستانا بحمالات رفيعة وفوقه جاكيت خفيف من القماش الشبيكة الذي يكشف أكثر ما يخفي. كان الفستان مفتوح الصدر يظهر جمال صدرها.
بمجرد أن رآها ذهب إليها ، سلم عليها وقبلها من وجنتيها وسألها ايه أخبارك وهمس لها : " ايه الحلاوة دي" هنأته على زواجه لتذكره انه اصبح محرما عليها، وقالت له حلاوة ايه بقى جنب مراتك، دي زي القمر، طول عمرك بتدور عالجمال. انضم إليهما مجموعة من الزملاء وتغيرت دفة الحديث وسرعان ما انسحبت وذهبت لتقف مع صديق لها، كانت تريد أن تختلي بنفسها بعيدا عنه لكنها كانت تشعر بعيونه تطاردها وإذا وقفت وحدها مرة أخرى سينضم إليها، كانت تريد أن تستجمع قواها بعد المصافحة الأولى وتفكر. " يا ربي، ده لسه بصباص" هكذا حدثت نفسها، كانت سعيدة لإعجابه بها وبأنه كما سمعت لم يتزوج عن حب وانما تزوج فتاة جميلة من أسرة ميسورة وتحبه لكنه لم يحب هذه الفتاة. تزوجها لأن جميع أصدقائه نصحوه بذلك، قالوا له يكفيك تدميرا في البنات، لاتدمر هذه الفتاة أيضا، كانت تحبه بجنون وخسرت شقيقتها بسببه، فقد كانت شقيقتها الصغرى تحبه قبلها وحضرت هي هذه الواقعة عندما كانا مرتبطين وكانت لما غارت منها قال لها دي عيلة، ولذلك تزوج الكبرى وليس العيلة.
تركها صديقها ولم تشعر به ولكنها أفاقت من ذكرياتها على صوته يهمس في أذنيها" فين البوسة بتاعتي" قالت له:" ما انت اخدتها"، ضحك وقال:" لأ أنا عايز بوسة من الشفايف الحلوة دي". ضحكت بدلال وتركته وانصرفت.
كانت تستمتع برغبته فيها وتستمتع بصحة توقعاتها، من تعود الخيانة لا يبتعد عنها، كانت ستكون هي الضحية بدلا من زوجته التي تجلس في البيت حامل في طفلهما ولا تعرف ما يفعله وتصدق كل أكاذيبه. لكن هي لم يكن يكذب عليها بل يحكي لها عن كل خياناته وهي تغفر. تعمدت أن تحوم حوله وفي كل مرة يقترب منها ويطلب قبلته، وتساءلت هل لأنها جميلة ومثيرة أم لأنه مازال يحبها، وهل احبها يوما؟ هي التي لم تستطع نسيانه رغم علاقتها الأخرى؟
نفس التساؤلات تكررت في هذا اللقاء الأخير وبعد عشر سنوات، كانت تسأل نفسها وهي وحيدة في الركن المنزوي، لم اعد جميلة ولست مشهورة مثله ولم أحقق شيئا في حياتي، احب ابنتي وزوجي، ولكني أحبه أيضا ؟ ماذا لو رآني اليوم؟ ماذا سيفعل؟ هل سيطلب قبلته مرة أخرى؟ أم سيحترز كوني زوجة وأم؟ هل نسيني أم مازال يحبني؟ هل احبني يوما؟ وقامت تبحث عنه وتبحث عن إجابة لكل تساؤلاتها؟ تساؤلات سيجيب عنها هذا اللقاء .........