قالت لها قارئة الفنجان" فيه واحدة واقفالك، في شغلك، مانعة انك تتقدمي لقدام".
" لا مفيش" ردت بسرعة هي لا تعرف أحدا يضايقها في عملها بل بالعكس منذ أن انتقلت لوظيفتها الأخيرة وهي تشعر بالراحة وتشعر أنها تفعل شيئا تحبه.
لم تعر قارئة الفنجان اهتماما خاصة وأن كل ما قالته لم يكن مثيرا مثلما قالت لصديقتها.
مثلا قالت لها" فيه فلوس جايالك في الطريق" كانت تعرف أنها ستحصل على مال مع بداية العام الجديد.
قالت لها " انت بتفكري كتير ، طول الليل والنهار دماغك بتشتغل بس مبتنجزيش حاجة" كانت هذه هي الجملة الوحيدة الصحيحة بالنسبة لها التي قالتها قارئة الفنجان، على الأقل في ذلك الوقت، فكرت كثيرا وأجابتها صديقتها " انت فعلا مبتنفذيش أي حاجة بتحلمي بيها أو بتفكري فيها مع انك مبتبطليش تفكير."
كانت أول مرة تمر بتجربة قراءة الفنجان، هي لا تؤمن بالطالع ولا تبحث عن معرفة المجهول. مرة واحدة عندما كانت في العشرين من عمرها تركت عرافة في الطريق تقرا لها الكف ولم تقل العرافة جديدا بالنسبة لها بل قالت أمورا يمكن أن تحدث للكثير وقالت لها أيضا "دمك زفر" لم تفهم معنى الجملة أضافت قارئة الكف عندما لمحت دهشتها :" يعني مبيقبلش عكوسات".
لكن صديقتها الخبيرة بهذه الأمور والتي كانت تؤمن كثيرا بمسألة السحر والأعمال والطالع والفنجان أجابتها: " يعني محدش يقدر يعمل لك عمل". كانت صديقتها مؤمنة بان هناك شخصا عمل لها عمل ولذلك لا تتزوج، ولكن هذه الصديقة تزوجت بعد فترة بسيطة وظلت هي صاحبة الدم الزفر بدون زواج حتى تخطت الثلاثين. وكانت تضحك كثيرا عندما تتذكر لهفة صديقتها على الزواج وإيمانها بهذه الأمور الغير مقنعة التي تناسب العقليات البسيطة الغير متعلمة.
لكن عندما حدثوها عن قارئة الفنجان التي لا يخيب لها فنجان أبدا، شعرت بالإثارة وأرادت أن تجرب ولكن كالعادة انتهت تجربتها الثانية مثل الأولى. لم تصدق الكلام رغم أن زوجها اهتم بجملة " واحدة واقفالك في شغلك" كان له رأي لم تقتنع به بل ظنت أن قارئة الفنجان تتحدث عن رئيستها السابقة التي طالما ضايقتها ورفضت أن تقبل أي شبهة في معاملة رئيستها الحالية لها.
ولكنها في ذلك اليوم وبعد مرور شهور على واقعة قراءة الفنجان، تذكرت هذه الجملة عندما علمت بنبأ ترقية زميلة لها. لم تكن أقدم منها ولا اكثر كفاءة، شعرت بالغيرة من هذا الاختيار ولكنها كما عودت نفسها حاولت ان تمنع ضيقها وتنظر للجانب الإيجابي من الترقية أو نصف الكوب المليان كما كانت تقول لنفسها دائما" مسئوليات جديدة بدون زيادة مادية، الحمد لله أنا كده مبسوطة اكتر وبعيدة عن المسئولية".
وعادت لتستكمل عملها لكن جملة قارئة الفنجان ظلت ترن في أذنيها وتعيد لها ذكريات أحداث قديمة، لم تكن هي المفضلة فيها لدى رئيستها ، كانت دائما تختار غيرها لأي مسئولية أو أي اجتماع للمديرين ، أما هي فلا تحصل سوى على كلمات التقدير والتشجيع وزيادات مالية مثل زملائها. وكانت تقول لنفسها " مش مهم، مبحبش ابقى تحت العين، خليني بعيدة".
تذكرت كل هذا وخافت أن يعود إليها شعور الاضطهاد الذي كانت صديقتها المقربة نهى تقوله لها" انت عندك بارانويا، حاسة على طول انك مضطهدة ومظلومة".
حاولت أن تنسى كلام قارئة الفنجان هي ليست مظلومة واختيار غيرها يتم على أسس لا تعرفها ربما هي ليست الأفضل في نظرهم أو الأكفأ.
وبدلا من البارانويا أصبحت تعاني أزمة ثقة وسوء تقدير لنفسها لكن مازالت كلمات قارئة الفنجان ترن في أذنها وذاكرتها تستدعي كل الفرص التي تفوتها.